وحدة الأمة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
علی سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلی آله وأصحابه أجمعين ومن تبعه بإحسان
الی يوم الدين اما بعد!
فإن موضوع ”وحدة الأمة
الإسلامية“الذي اختارته رابطة العالم الإسلامي بمکة المکرمة لهذا الملتقی
لموضوع ذو اهمية بالغة ، فإن حالة المسلمين في هذه الأيام قد صارت کما ذکر النبي
صلى الله عليه وسلم
في
حديث ثوبان رضي الله عنه حيث قال : ” يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى
الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا “, فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ :
”بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ
السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ
وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ “, فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَا الْوَهَنُ
قَالَ : ”حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ “ (مسند
احمد: 5/278 ، سنن ابي داود: 6/483 (4297) واللفظ له , الاحاديث الصحيحة:596 ، صحيح
الجامع: 6/364 (8035 , 3726) وصححه الالبانی)
والدعوة إلی وحدة الأمة الإسلامية
والتضامن الإسلامي جاءت في هذا الوقت الذي کثرت فيه الاختلافات والنزاعات في
العالم الإسلامي، وغزت عقول المسلمين حملات فکرية مضللة أوقعتهم في حيرة ومتاهة ، وتشتت
فيه الصفوف، وتفرقت فيه الکلمة، وضاعت الاخوة الإسلامية وقوة المسلمين، فطمع فيهم
الأعداء ، وعجز عن مساعدتهم الأصدقاء ، فاغتصبت بلادهم، ونهبت ثرواتهم، ودنست
مقدساتهم، وأصبحوا علی کثرة عددهم ، ووفرة ثرواتهم ومواردهم ، وتعدد بلدانهم وتسلطهم
علی المناطق الاستراتيجية في العالم صاغرين و تخلفوا عن مکانتهم المرموقة، وتخلوا
عن مواقع قيادتهم الحکيمة ، وأصبحوا لا يعبأ بهم في المجالس الدولية والهيئات
العالمية ، بل أصبحوا تبعا لغيرهم وبدون اختيارهم ، الأمر الذی جعل المخلصين من هذه
الأمة يبحثون عن أسباب القوة الإسلامية الضائعة ومصدرها وعن المنهج العملي الصالح،
ويطلبون أقوم السبل التي تنقذهم من هذه المذلة والهوان، وتعيدهم الی العزة والکرامة
التي کانوا عليها، وترد اليهم حقوقهم، وتخلصهم من التبعية لغيرهم، ويصبحوا کما وصفهم
اللّه تعالی في قوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: ١١٠)
فأيقن اولئك المخلصون أنه لن يصلح
آخر هذه الأمة الا بما صلح به اولها، ألا وهو العودة الی الإسلام الصحيح والإعتصام
بحبل اللّه المتين، ووحدة کلمة المسلمين کافة علی العقيدة الإسلامية، وعلی کلمة
لااله الا الله محمد رسول الله ،لا علی الجنس والعنصر، ولا علی القومية والوطنية،
ولا علی اللسان واللون، ولا علی القبيلة والمذهب، فان هذه کلها منتنة، وکانت دائما
سببا في تمزيق المسلمين واثارة الخلاف والعداء بينهم، فعقدوا هذا الملتقی المبارك
لعلماء المسلمين من جميع العالم الإسلامي، في مهبط الوحي والبلد الحرام مکة المکرمة،
للتشاور فيما بينهم والبحث عن المنهج القويم لوحدة الأمة الإسلامية والتضامن الإسلامي،
ولا شك ان هذا عمل جليل وخطوة مبارکة، لأن وحدة الأمة الإسلامية نعمة عظيمة من الله
سبحانه وتعالی، وفيها القوة والغلبة والنجاح والفلاح للمسلمين، وفي الفرقة
والاختلاف هلکة ومذلة وفشل وهزيمة، ولذلك امر الله المسلمين ان يعتصموا بحبل الله
جميعا، ويجتنبوا من التنازع والاختلاف والفرقة، وان يقاتلوا اعداءهم صفا واحدا کأنهم
بنيان مرصوص، ويکونوا اشداء علی الکفار ورحماء بينهم، فقال تعالی : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: ١٠٢ - ١٠٣) وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال: ٤٥ - ٤٦) وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾(الصف: ٤) وقال: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ
كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾(التوبة: ٣٦) وقال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ
بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: ١٥٣)
وقال: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى
أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: ١٣)
وفي غزوة أحد رزق الله المؤمنين
في اول الأمر الفتح والنصر لأجل الطاعة والصبر ووحدة الکلمة، لکنهم لما اختلفوا
وتنازعوا وعصوا الرسول انهزموا بنحوسة هذا الخلاف والعصيان، وخسروا خسرانا مبينا،
کما قال تعالی :﴿وَلَقَدْ
صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ
وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ
عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
﴾ (آل عمران: ١٥٢)
وقد بين الرسول صلى الله عليه
وسلم اهمية الوحدة
الإسلامية وفوائدها وبرکاتها في عدة احاديث :منها قوله صلى الله
عليه وسلم : ” فَعَلَيْكم بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ
“(سنن ابي
داود:کتاب الصلاة،باب في التشديد في ترك الجماعة: 1/371 (547) وسنن النسائي: کتاب
الإمامة، باب التشديد في ترك الجماعة:2/107)
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ” يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ
“(جامع
الترمذي مع التحفة :3/208، وصحيح الجامع:6/336
(۷۹۲۱) وقال الالباني:صحيح)
وقوله:” عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ “(جامع
الترمذي مع التحفة:6/320 ، ابواب الفتن باب:7/22456 وقال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب)
وقوله: ” الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ “(مسند احمد
: 3/ 178 , 375 , صحيح الجامع : 3/ 84 (3104) وقال الالباني : حسن)
لکن مع الأسف ان اليهود والنصاری
والمشرکين أخذوا هذه النصيحة و الفضيلة، فانهم حينما يريدون الحرب والقتال مع
المسلمين يجمعون اخوانهم وأصدقاء هم، ويزيلون جميع الخلافات ، ويتحدون علی الکلمة
الواحدة ، ثم يقاتلون ويبذلون في سبيل ذلك کل غال وثمين، ويستعملون لذلك کل
الوسائل والطرق، ويحاول لذلك حکامهم ووزراءهم وعلماؤهم ومفکروهم ، وتکون بينهم الزيارات
علی المستويات المختلفة ، وتبادل الآراء والتشاور، وينظرون في قواتهم من الناحية
العسکرية والاقتصادية والتائيد من أصدقاءهم واهل دينهم بالمال والاسلحة والجنود ،
والاشتراك معهم في القتال عند الحاجة, والدفاع عنهم في المنظمات الدولية والهيئات
العالمية.
اما المسلمون فانهم علی عکس ذلك
تماما، فانهم يعرفون من طرق موثوقة بها ان عدوهم الفلاني يريد ان يهاجم علی دولتهم،
ويرون بأم اعينهم انه يستعد لذلك ويجمع جميع الوسائل، ويجری للحصول علی المساعدات
المتنوعة من اخوانه واصدقائه حتی من الحکام المسلمين والدول الإسلامية احيانا، لکنهم
لا يتحرکون لإعداد العدة الکافية، ولا يحاولون ان يجتمعوا مع اخوانهم رؤساء الدول
الإسلامية ويتشاورا فيما بينهم في أمر القتال مع العدو والدفاع عن حقوقهم وکرامتهم،
ولو کان بينهم خلاف أو نزاع في أمر ما، فلا يصطلحون ولايجتمعون عند هذه المصيبة ايضا،
ولا يتحرك لذلك الحکام والسلاطين من الدول الاخری المسلمة، ولا العلماء والمفکرون.
ونری ايضا ان اعدائنا حينما يريدون
المهاجمة علی دولة اسلامية والقتال معها يحاولون بطرق شتی ان يوقعوا العداوة
والخلاف بين هذه الدولة المسلمة وجيرانها واخوتها، کی لا يساعدها احد منهم عند
اندلاع الحرب، ويسهل عليهم ضرب هذه الدولة وتدميرها وجعل أعزة اهلها اذلة .
ولا
يکتفون علی ذلك بل يحاولون ان يقع قتال وحرب بين هذه الدولة الاسلامية وأحد جيرانها،
فاذا ضعفت هذه الدولة بسبب هذا الحرب والقتال، من الناحية العسکرية والاقتصادية،
وصارت بينها وبين جيرانها واخوتها عداوة شديدة يهاجمون عليها بکل قوة وعنف بالاسلحة
الفتاکة والجنود الاقوياء وتائيد من الدول الاخری ، فيحصل لهم الفتح والغلبة بکل يسر
وسهولة ، وفي ايام قليلة. لأن الغلبة علی الدولة الضعيفة التي افنت جنودها و قواتها
في القتال مع إخوانها وجيرانها المسلمين، وصارت في حالة ليس لها اخوة واصدقاء الذين
يساعدونها في هذا الوقت أمر سهل جدا.
وايضا اعداء الإسلام حينما يريدون
الحرب مع دولة مسلمة يتهمونها بإتهامات کثيرة ، من الارهاب، ومخالفة القوانين الدولية
، والحقوق الانسانية والظلم علی الشعب والرعية ، وحرمان النسوة من حقوقهن الی غير
ذلك من الإتهامات، ويحاولون ان تفرض عليها المقاطعة الاقتصادية والسياسية والعسکرية
من قبل هيئة الامم المتحدة والدول الکبری ، فتکون ضعيفة لأجل هذه المقاطعة عدة
سنوات ، ثم يهاجمون عليها في حالة الضعف وقطع العلاقات مع الدول الاخری.
واحيانا يثيرون فتنة الاختلاف بين
القبائل والجماعات الدينية والسياسية الموجودة في هذه الدولة باشعال نار العنصرية والقبلية
والمذهبية ، أو باثارة فتنة اللغة والثقافة و الجنس واللون ، وأحيانا يحثون الشعب
علی الخروج ضد الحکومة والقتال معها والمهاجمة علی ممتلکاتها وجنودها، فاذا اندلع
الحرب واستمر القتال مدة طويلة وضعفت الدولة وتعب الشعب يهاجمون عليها بأدنی حيلة.
واحيانا يثيرون فتنة الاختلافات
القديمة التي کانت بين دولتين مسلمتين متجاورتين حول الحدود و الثغور ويحثون بعضها
للمهاجمة علی الاخری، ويواعدون المساعدة بالأسلحة والمال والدفاع في المجالس الدولية
لکن حينما تضعف الدولتان من أجل القتال فيما بينهما يستغلون فرصة الضعف فيهاجمون
علی احداهما او کلتيهما.
فيجب علی المسلمين عامة و علی
الحکام والقادة والمعتنين بأمر الأمة الاسلامية خاصة ان ينتبهوا الی هذه المکائد
والمؤامرات للاعداء، ونياتهم الخبيثة ولا يعتمدوا علی اقوالهم وأخبارهم ووعودهم
والا تکون لهم خسارة وندامة کما قال تعالی : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى
مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات:
٦)
وليکونوا مثل کعب بن مالك رضى الله عنه حينما تخلف عن غزوة تبوك بدون عذر مقبول
فأجمع علی الصدق ولم يعتذر الی رسول الله صلى الله عليه وسلم کما اعتذر اليه
المتخلفون بأعذار کاذبة، بل قال له: والله لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرأيت
أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أوتيتُ جدلا، ولکني والله لقد علمت لإن حدثتك اليوم
حديثَ کذِب ترضی به عني ليوشکن الله ان يُسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ
فيه ، فإني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما کان لي عذر، والله ما کنت قط اقوی
ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمّا هذا فقد صدق، فقم حتی يقضی
الله فيك. والقصة طويلة وهي موجودة في صحيح البخاري(انظر
کتاب المغازي ، باب حديث کعب بن مالك : 8/113-116 (4418)) ويعرفها
اهل العلم، وفيها انه لما نهی النبي صلى الله عليه وسلم عن کلام الثلاث الذين خلفوا، ومنهم کعب بن
مالم ، وطال
عليه من جفوة الناس وابی ان يتکلم معه ابو قتادة الذي کان ابن عمه واحب الناس اليه
والذي ذهب اليه بعد تسور الجدار، فخرج عن بستانه وقد فاضت عيناه لشدة الألم والحزن
، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وبعد ذلك بينما کان يمشي في سوق المدينة اذا نبطی
من انباط اهل الشام ممن قدم بالطعام ليبيعه بالمدينة يقول : من يدلني علی کعب بن
مالك ؟ فطفق الناس يشيرون اليه ، حتی اذا جاءه ودفع اليه کتابا من ملك غسان ، فاذا
فيه : ”اما بعد: فانه قد بلغني ان صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك اللّه بدار هوان ولا
مَضْيِِِِعَة ، فالحق بنا نواسك“، فاذا قرأ هذا الکتاب تعرفون ماذا قال ؟ وماذا
فعل ؟ تعالوا نسمع من لسانه فانه يقول : فقلت لما قراء تها:” هذا ايضا من البلاء ،
فتيممت بها التنور فسجرته بها“.
فهکذا ينبغي ان يکون کل مسلم , ولا
يغتر بکلام اعداءهم المعسول و بوعودهم الکاذبة ، ويجب علی المسلمين جميعا ان يتذکروا
دائما قوله تعالی:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: ١٠) ويجب عليهم ان يکونوا اذلة علی
المؤمنين اعزة علی الکافرين، اشداء علی الکفار ورحماء بينهم کما قال تعالی :﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: ٢٩) ويتذکروا قول النبي صلى الله
عليه وسلم : ”لا
تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا ، وکونوا عباد اللّه اخوانا ، ولا
يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث“(صحيح البخاري مع الفتح : کتاب
الأدب ، باب ما ينهی عن التحاسد والتدابر:1/481 ، الصحيح لمسلم:4/1938)
واذا نظرنا الی النصوص الشرعية
من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية نجد فيها احکاما و آدابا اسلامية رائعة، کلها
تحث المسلمين علی التضامن و الوحدة ، وتمنعهم من الفرقة والخلاف ، فقد حرمت الشريعة
الاسلامية اشياء کثيرة ومنعت عن خصال عديدة تکون سببا للفرقة والاختلاف والنزاع بين
المسلمين فقد نهی النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد وقال
:”اياکم والحسد ، فان الحسد يأکل الحسنات ، کما تأکل النار الحطب“ أو قال: ” العشب
“.(سنن
ابي داود: کتاب الأدب ، باب في الحسد:5/208)
نهی الإسلام عن سوء الظن والتجسس
والمنافسة والمباغضة فقال تعالی:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيم﴾ (الحجرات: ١٢) وقال
النبي صلى الله عليه وسلم :” اياکم والظن ، فان الظن اکذب الحديث ، ولا
تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ،
وکونوا عباد اللّه اخوانا کما أمرکم ، المسلم اخوالمسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا
يحقره ، التقوی ههنا ، التقوی ههنا ويشير الی صدره ، بحسب امرئ مسلم من الشر ان يحقر
اخاه المسلم ، وکل المسلم علی المسلم حرام دمه وعرضه وماله ، ان اللّه لا ينظر الی
اجسادکم ، ولا الی صورکم ولکن ينظر الی قلوبکم واعمالکم “. وفي رواية :” ولا
تناجشوا“. وفي رواية :”ولا تهاجروا ، ولا يبع بعضکم علی بيع بعض“.رواه مسلم بکل هذه
الروايات وروی البخاري اکثرها.( صحيح البخاري مع الفتح : کتاب
الأدب ، باب ما ينهی عن التحاسد والتدابر:1/481 ، الصحيح لمسلم:کتاب البر والصلة
والأدب: 4/1983)
ونهی عن الطعن في الأنساب
والافتخار بالاحساب وغيره وأمر بالتواضع ، فقال صلى الله عليه وسلم : ”اثنان في الناس هما بهم کفر : الطعن في النسب ، والنياحة
علی الميت“.(الصحيح
لمسلم :کتاب الإيمان ، باب اطلاق اسم الکفر علی الطعن في النسب والنياحة :1/82) وقال
صلى الله عليه وسلم:
”ان الله
تعالی اوحی اليّ ان تواضعوا حتی لا يبغی احد علی احد ، ولا يفخر احد علی احد“
(الصحيح
لمسلم: کتاب الجنة وصفة نعيمها واهلها ، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا اهل الجنة
والنار: 4/2199 (2865)) وقال تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات: ١٣) وقال صلى الله عليه وسلم :”لا فضل لعربي علی عجمي ، ولا لعجمي
علی عربي ، ولا لأحمر علی اسود ولا لأسود علی أحمر إلا بالتقوی“(رواه
احمد في المسند : 5/611)
ونهی عن السخرية والهمز واللمز
والتنابز بالالقاب ، فقال تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ
مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ
لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات: ١١)
ونهی عن حمل السلاح علی المسلم
والقتال والسباب والغش والخداع ، فقال صلى الله عليه وسلم :”من حمل علينا السلاح فليس منا ، ومن غشنا
فليس منا“.(صحيح
مسلم: کتاب الايمان،باب قول النبی صلى الله عليه وسلم : من غشنا فليس
منا:1/99 (164)) وقال
:”قتال المسلم کفر وسبابه فسوق“ وقال:”قتل المؤمن اعظم عند الله من زوال الدنيا“ (انظر
الحديثين في صحيح الجامع:4/130-131 , (4235,4237))
وأمر بايفاء العهد ، وحرم الغدر
، فقال تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: ١) وقال: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: ٣٤) وقال النبي صلى الله عليه وسلم :”اربع
من کن فيه کان منافقا خالصا ، ومن کانت فيه خصلة منهن کانت فيه خصلة من النفاق حتی
يدعها ، اذا اؤتمن خان ، واذا حدث کذب ، واذا عاهد غدر ، واذا خاصم فجر“متفق عليه.( صحيح
البخاري: کتاب الإيمان ، باب علامة المنافق:1/15) وقال صلى الله عليه وسلم :”لکل غادر لواء عند إسته يوم القيامة يرفع
له بقدر غدره ، ولا غادر اعظم غدرا من امير عامة “.(الصحيح
لمسلم: کتاب الجهاد والسير،باب تحريم الغدر:3/1361 (۱۷۳۸))
وحرم الهجران بين المسلمين فوق
ثلاثة ايام والتحريش بينهم فقال صلى الله عليه وسلم : ”لا
يحل لمسلم ان
يهجر اخاه فوق ثلاث ، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار“ (ابو
داود: کتاب الأدب ، باب فيمن يهجر اخاه المسلم:5/215 (4914) , رياض الصالحين :
(1597))
وقال صلى الله عليه وسلم : ”من هجر اخاه سنة فهو کسفك دمه“ (ابو
داود : کتاب الأدب ، باب فيمن يهجر اخاه المسلم:5/216 (4915)) وقال صلى الله عليه وسلم :”ان الشيطان قد أيِس ان يعبده المصلون في
جزيرة العرب ،
ولکن في التحريش بينهم“ (الصحيح لمسلم: کتاب صفات المنافقين
وأحکامهم ، باب تحريش الشيطان وبعث سراياه لفتنة الناس وان مع کل انسان قرينا:4/2144) . وقال
الامام النووی: التحريش: الإفساد بينهم وتغيير قلوبهم وتقاطعهم .
ونهی عن الظلم والبغي فقال
تعالی: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(الشورى: ٤٢)
ونهی عن ايذاء المؤمن بغير حق
فقال تعالی: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: ٥٨) وقال صلى
الله عليه وسلم :’’المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهی الله عنه‘‘ (صحيح
البخاري : کتاب الإيمان ، باب علامة المنافق : 1/15) وفرض
اشياء کثيرة من العقيدة والعبادات والمعاملات ، فيها دروس ومظاهر للوحدة ، وتربية
علی التضامن الإسلامي ، ففرض عقيدة التوحيد التي يجتمع عليها العرب والعجم ، ويستوی
فيها الغني والفقير، والذکر والانثی والصغير والکبير.
وفرض الاعتصام بالکتاب والسنة
والرد اليهما والاجتماع علی اتباعهما عند الاختلاف ، فقال تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء: ٥٩)
وعن العرباض بن سارية قال :”صلی
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم اقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون
، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل :يا رسول الله کأن هذا موعظة مودع ، فماذا تعهد
الينا ؟ فقال : اوصيکم بتقوی الله والسمع والطاعة ، وان عبدا حبشيا ، فانه من يعش
منکم بعدي فسيری اختلافا کثيرا ، فعليکم بسنتي وسنة الخلفاء المهدين الراشدين ،
تمسکوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، واياکم ومحدثات الامور، فان کل محدثة بدعة
وکل بدعة ضلالة“ (مسند احمد:4/126,127 ، سنن ابي
داود : کتاب السنة ، باب في لزوم السنة:5/31 ، جامع الترمذي:العلم ، باب فی الأخذ
بالسنة واجتناب البدع ، حديث رقم:(2678) ، سنن ابن ماجة : مقدمة، (حديث42) انظر ايضاً:
صحيح الجامع:5/44)
وفرض الصلوات الخمس التي تؤدی في
المساجد مع الجماعة ، ويقوم فيها الملك والرعية ، والعربي والعجمي ، والغني والفقير
، والسيد والخادم ، والحر والعبيد ، في صف واحد ، والی قبلة واحدة ، ويصلون خلف
امام واحد ، لرب واحد ، ويظهر فيها تعليم الوحدة ويتجلی فيها التضامن الإسلامي
بصورة ملموسة.
وامر بصيام رمضان الذي انزل فيه
القرآن ، فيصوم المسلمون في شهر واحد ، وفي وقت واحد من طلوع الفجر الصادق الی
غروب الشمس ، ويفطرون في وقت واحد أعنی بعد غروب الشمس ، ويتسحرون في وقت واحد أعني
قبل طلوع الفجر.
وفرض الزکاة التي تربط مختلف
الطبقات بعضها مع بعض ، ويجمع من فرق بينهم الغني والفقر ، حيث يلتزم کل غني
باخراج زکاة ماله ، وايصالها الی الفقراء والمساکين و غيرهم من المستحقين؛وهکذا
تکون بينهم مؤدة ورحمة ، وتضامن وترابط.
وفرض
الحج الذي اکبر مظهر لوحدة الأمة الإسلامية ، والتضامن الإسلامي ، فانه يفد الحجاج
من کل فج عميق ، قاصدين الی بيت واحد وهو بيت الله الحرام ، ويلبون بکلمة واحدة وهي
لبيك اللهم لبيك الخ ويطوفون بالکعبة الواحدة ، ويسعون جميعا بين الصفا والمروة ،
ويجتمعون في منی وعرفات ومزدلفة في وقت واحد ، وفي لباس واحد , ويستوي فيه جميع
الحجاج علی مختلف الوانهم ، وتباعد اقطارهم ، وتعدد لغاتهم ، ويستوی فيه اميرهم
ومأمورهم ، وعربيهم وعجميهم ، وقاصيهم ودانيهم ، فتوجد وحدة في الشکل والصورة ، وفي
الهدف والغاية ، والنداء واللباس ، هکذا نری مشهدا فريدا لوحدة الأمة الاسلامية
والتضامن الإسلامي، وکذلك لو فکرنا نجد دروس الوحدة والتضامن في الامور الاجتماعية
والمعاملات والاخلاقيات والتعلميات الإسلامية الاخری.
وجوب
الإصلاح بين المسلمين: لقد تقدم ان اعداء الاسلام يحاولون
تفريق کلمة المسلمين وبث الخلاف والنزاع بينهم بکل الوسائل والحيل ، ويختارون لذلك
جميع السبل المتاحة لهم، فيعقدون مؤتمرات وندوات لهذا الغرض ، يجتمع فيها قادتهم
ومفکروهم ، ويتشاورون اياما في هذا الامر ، ويخططون لذلك ، ويحددون طرق التنفيذ لهذه
المخططات ، ويخصصون لذلك ميزانية کبيرة ، ويجمعون له مبالغ باهظة وأموالا طائلة ،
ويعيّنون لذلك مئات الآلاف من السياسين والامراء والوزراء ورجال المخابرات
والدبلوماسيين واساتذة الجامعات ورؤساء اقسامها ، والمؤلفين والمحققين والعاملين في
التلفاز والراديو والکاتبين في الصحف والمجلات والجرائد والسائحين الزائرين
والتجار والادباء والفنانين وغيرهم.
وهولاء أولاً يُدَرَّبُون ويُخْتَبَرون
ثم بعد النجاح والاطمينان علی کفاءتهم وامانتهم يرسلون الی ميادين أعمالهم المتنوعة،
فيعملون لذلك ليلا ونهارا ، وينفذون مخططاتهم ومؤامراتهم بکل براعة ودقة ، وبطرق
خفية وحکيمة ، لا يدرکها الا المتخصصون الاذکياء ، وبناء علی هذا ولأسباب اخری لا
بد ان يقع الخلاف والنزاع بين المسلمين ، ويجب ان تکون عند الأمة الإسلامية جميع
الوسائل اللازمة لمواجهتهم ، ورد کيدهم ، وکشف مؤامراتهم ، والحيلولة دون تنفيذ
مخططاتهم في جميع الميادين ، من المبالغ الکافية والافراد المتخصصين المتمرسين،
والمتفرغين منهم والعاملين في وظائف اخری ، ومن العمارات والمکاتب الی غير ذلك من
الوسائل اللازمة ، کما يجب ان تکون هناك جماعة مخلصة ولجنة دائمة علی مستوی عال
جدا ومکونة من الملوك والحکام والوزراء والعلماء والقضاة والباحثين لاصلاح امور
المسلمين ، وازالة الخلاف الواقع بينعهم ، کما أمرهم الله بذلك حيث قال: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ﴾
(الحجرات: ٩ - ١٠)
وقال تعالی: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: ١) وقال تعالی: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا
مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(النساء: ١١٤) فيجب علی المسلمين ان يعتنوا
باصلاح ذات البين ورفع الخلاف وتکوين الوحدة والتضامن ، وينبغي ان يعلم المسلمون
ان الصلح فيه خير کثير من المحافظة علی ارواحهم واموالهم واعراضهم، وفيه عزة وکرامة
وقوة لهم في الدنيا ، واجر کثير وثواب جزيل في الآخرة وفي الفرقة خسارة کبيرة في
الدنيا والآخرة ، قال الله تعالی : ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (النساء: ١٢٨) وقال
الرسول صلى الله عليه وسلم : ”تفتح ابواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر لکل عبد لا
يشرك بالله شيئا ، الا رجلا کانت بينة وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظِروا هذين حتی
يصطلحا“رواه مسلم ، وفي رواية ”تعرض الاعمال في يوم الخميس ويوم الاثنين“ وذکر نحوه
(صحيح
مسلم : کتاب البر والصلة والأدب ،باب النهي الشحناء والتهاجر:4/1987 (2565))
ومن الأدلة علی اهمية الاصلاح بين
المسلمين ما رواه ام کلثوم بنت عقبة انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”ليس الکذاب الذي يصلح
بين الناس فينمی خيرا ، أو يقول خيرا.“ (صحيح
البخاري:5/299 (2692))
ويدل علی اهميته ايضا ما رواه سهل بن سعد : ان اهل
قباء اقتتلوا حتی تراموا بالحجارة ، فأخبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بذلك فقال :”اذهبوا بنا نصلح بينهم“ (صحيح
البخاری:5/300 (2693)) وعنه ايضا : ان ناسا من بنی عمرو بن عوف کان بينهم شيء
، فخرج اليهم النبي صلى الله عليه وسلم في اناس من أصحابه يصلح بينهم ، فحضرت الصلاة ولم يأت النبي صلى
الله عليه وسلم ، فأذّن بلال بالصلاة
، ولم يأت النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء الی ابي بکر فقال :
ان النبي صلى الله عليه وسلم حُبِس
وقد حضرت الصلاة ، فهل لك ان تؤم الناس ؟ فقال : نعم إن شئت ، فأقام الصلاة ،
فتقدم ابو بکر ، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشی في الصفوف. الحديث(صحيح
البخاري:5/297 (2690))
فلو لم تکن اهمية بالغة للاصلاح
بين الناس لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه لهذا الغرض حتی تأخر في الصلاة.
لذا يجب علی المسلمين ان يعتنوا
بالاصلاح بين اخوانهم والوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي ، ويجب ان تکون هذه
الوحدة والتضامن في مختلف المجالات : في الامور السياسية والدبلوماسية ، و في
الدفاع عن البلاد الاسلامية والدين الاسلامي والشخصيات والمقدسات الاسلامية ، وفي
الامور الاقتصادية من التجارة والزراعة والصناعة ، وفي التعليم والثقافة والعلوم
والتکنولوجيا.
ويجب ان يسعی کل دولة إسلامية
وجماعة دينية وسياسية لازالة الخلاف اذا وقع بين دولتين مسلمتين او طائفتين من
المسلمين ، بإرسال المصلحين المخلصين والاشتراك في الجهود المبذولة لذلك ، کما يجب
ان يشترك في هذه المهمة العظيمة الحکام ورؤساء الدول الاسلامية والوزراء والعلماء
واساتذة الجامعات وقادة الاحزاب السياسية والمنظمات الاسلامية واصحاب المجلات
والصحف والجرائد اليومية والاسبوعية والشهرية وائمة المساجد والخطباء والمؤلفون
والمحققون فاذا عمل الجميع وسعوا في هذا الامر تحصل النتيجة المطلوبة والفوائد
المنشودة.
ويا ليت تکون محکمة عالمية
للمسلمين لفصل الخصومات وازالة الخلافات الواقعة بينهم، ويلتزم جميع الدول الإسلامية
والاحزاب الدينية والسياسية مراجعتها وقبول حکمها بصدق واخلاص ، بدل ان يذهبوا الی
المحاکم الدولية الاخری والی الحکام الغير المسلمين. وتکون هذه المحکمة علی مستوی يليق
بشأنها في تعيين القضاة ، والتحقيق في الأمور بکل دق ، والحرص علی الاصلاح بينهم ،
والحکم بکل امانة وعدالة وعدم التحيز ، والالتزام بالآداب والاحکام الاسلامية
للقضاء.
ومن المناسب ان تکون هذه المحکمة
في مهبط الوحي وجوار بيت الله الحرام بمکة المکرمة وتحت اشراف رابطة العالم
الإسلامي ، حيث يأتي المسؤلون من البلاد والجماعات التي وقع الخلاف بينها، ثم يجتمع
الحکام والقضاة والمصلحون ويبذلون جميع الجهود لازالة هذا الخلاف ، والاصلاح ذات
البين ، والقضاء بينهم بالعدل والانصاف ، وتعمل هذا المحکمة دائما بجد ونشاط
وبکفاءة تامة ، ويتعاون معها جميع البلاد الإسلامية وجماعات المسلمين.
ويجب ان يتحرك المسؤلون في هذه
اللجنة علی الفور للاصلاح ، اذا علموا عن وقوع خلاف اونزاع بين دولتين مسلمتين او
طائفتين من المسلمين ، ولا يتأخرون ، فان في التاخير مضارا کثيرة ، واحيانا تفوت
الفرصة وتکون خسارة فادحة من الجانبين.
وينبغي ان تکون اتصالات وروابط
مستمرة بين روساء الدول الاسلامية وعلماءها والمسؤلين في هذه اللجنة بالتلفون
واللقاءات وبالوسائل الأخری ، ويتبادلون الآراء فيما بينهم بموضوع الوحدة وأهميتها
وطرق ايجادها حتی يقتنع الجميع بمنافعها ونتائجها ، ويحسوا بمسؤلياتهم ، ويقدموا
مساعداهم وآراءهم ، لتقديم اعمال اللجنة الی الامام وجعلها علی مستوی عالمي مرموق.
ويجب ان تکون معاهدة بين الدول
الإسلامية لمساعدة بعضها بعضا عند اندلاع الحرب ووقوع الخلاف بينها وبين دولة کافرة
وظالمة.
هذه
کلمات متواضعة حول وحدة الأمة الإسلامية واهميتها وطرق ايجادها والمحافظة عليها ،
ادعو الله ان يجعلها نافعة ، ووفقنا جميعا لما فيه خير للإسلام والمسلمين ، اللهم
اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، والف بين قلوبهم ، واصلح
ذات بينهم ، وانصرهم علی عدوك وعدوهم ، اللهم العن الکفرة الذين يصدودن عن سبيلك ،
ويکذبون رسلك ، ويقاتلون اوليائك ، اللهم خالف بين کلمتهم ، وزلزل اقدامهم ، وانزل
بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين ، وصلی الله وسلم علی عبده ورسوله محمد
وعلی آله واصحابه اجمعين ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
جزى الله الشيخ على جهوده الطيبة،
ردحذفوللإفادة العامة نشرت هذه المقالة على الرابط التالي:
http://students.iu.edu.sa/FONHAIS/amohammadi/Pages/aced932b-83ff-4567-bb25-d786bfe3657f.aspx